وفي خلال عقد واحد توحد معظم الجزيرة العربية في ظل الإسلام ، ثم انتشر في خلال عقود قليلة تالية ليعم منطقة واسعة امتدت من السند شرقاً الى المحيط الأطلسي غرباً حيث آمن الناس بالاسلام ، واستظلوا بشريعته العادلة واقاموا حضارة زاهرة آتت أكلها قروناً طويلة في حقول التشريع والتربية وعلوم الكون والطبيعة.
ومن هذا التاريخ أصبح التاريخ الهجري شعار الدولة الإسلامية، وأصبح مبتدأ السنة الهجرية شهر المحرم. والله أعلم.
واجه جميع أنبياء الله، ظلم وتعنت وبطش من قومهم، الذين لم يهتدوا إلى دعوة الله، والإيمان به وبرسوله، وكانت الهجرة الحل أمام بعضهم، بناء على وحى من الله، أو لبداية التبشير بالدعوة السماوية. وتأتى هجرة النبى (ص)، كأحد أهم الهجرات النبوية على الإطلاق، بعدما هاجر سرا من مكة إلى المدينة، برفقة صاحبه أبو بكر الصديق، ليكون مع بداية الهجرة، بداية عصر الدعوة والدولة الإسلامية بقيادة خاتم المرسلين. وتمر اليوم الذكرى 1396، على الهجرة النبوية بحسب التقويم الميلادى، إذ هاجر فى 21 سبتمبر عام 622م، ولأن الهجرة كانت قرار عدد كبير من الأنبياء نوضح خلال السطور التالية كيف كانت هجرة الأنبياء مما سبقوا النبى محمد (ص). هجرة نوح صنع نوح الفلك وكان قومه يسخرون منه وهو يسخر منهم لغفلتهم عن أنفسهم وتفريطهم فى حياتهم وعيرهم بعدم اتباعه إلى أن جاء أمر الله وفار التنور، وتفجرت ينابيع الأرض، وجاء الطوفان وأبادهم بعد أن نزل نوح والذين آمنوا معه فى السفينة، وسلك فيها زوجان اثنان من كل ذى حياة، وانتهت هجرته من الأرض بعد سنة وعشرة أيام بعد أن استقرت السفينة على الجودى. فكانت هجرته ميمونة عليه وعلى من معه فى السفينة وهلاكا لأعدائه.
تطلق "الهجرة" على الترك والتخلي عن الشيء, فالمهاجر من هجر ما نهى الله عنه - كما في الحديث الشريف - ، وهي بهذا المعنى مطلقة من قيود الزمان والمكان ، إذ بوسع كل مسلم أن يكون مهاجراً بالالتزام بأوامر الله والهجر للمعاصي. لكن الهجرة النبوية تتعلق بترك الموطن والانخلاع عن المكان بالتحول عنه الى موطن آخر ابتغاء مرضاة الله رغم شدة تعلق الانسان بموطنه وألفته للبيئة الطبيعية والاجتماعية فيه ، وقد عبّر المهاجرون عن الحنين الى مكة بقوة وخاصة في أيامهم الأولى حيث تشتد لوعتهم. وتحتاج الهجرة الى القدرة على التكيف مع الوسط الجديد "المدينة المنورة" حيث يختلف مناخها عن مناخ مكة فأصيب بعض المهاجرين بالحمى ، كما يختلف اقتصادها الزراعي عن اقتصاد مكة التجاري ، فضلاً عن ترك المهاجرين لأموالهم ومساكنهم بمكة. لكن الاستجابة للهجرة كانت أمراً إلهياً لابد من طاعته ، واحتمال المشاق من أجل تنفيذه. فقد اختار الله مكان الهجرة ، كما في الحديث الشريف "رأيت في المنام أني أهاجر من مكة الى أرض بها نخل ، فذهب وهلي الى أنها اليمامة أو هجر, فاذا هي المدينة يثرب". وما أن بدأ التنفيذ حتى مضت مواكب المهاجرين تترى نحو الموطن الجديد.. دار الهجرة.. وقد شاركت المرأة في حدث الهجرة المبارك منهن أم سلمة هند بنت أبي أمية التي تعرضت لأذى بالغ من المشركين الذين أرادوا منعها من الهجرة ثم استلوا ابنها الرضيع منها حتى خلعوا يده.. لكنها صممت على الهجرة ونجحت في ذلك رغم الاخطار والمصاعب.